بدلاً من تعزيزها.. توظيف التكنولوجيا في خنق الحريات بالعديد من دول العالم

أبرزها الصين وروسيا وإيران

بدلاً من تعزيزها.. توظيف التكنولوجيا في خنق الحريات بالعديد من دول العالم
منصات التواصل الاجتماعي - أرشيف

تتزايد المخاوف الحقوقية عالميًا من توسع رقابة الحكومات على الفضاء الرقمي، خصوصًا في دول مثل الصين وإيران وروسيا، حيث تستخدم تكنولوجيا المراقبة والذكاء الاصطناعي كأدوات لقمع الأصوات المعارضة، وليس لحماية الأمن العام فحسب، في مشهد يثير مخاوف المدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم.

وبدلًا من أن تستخدم التكنولوجيا لتعزيز الشفافية وحماية الحقوق، تُوظف في هذه الدول كوسيلة للتضييق على الحريات العامة، وفرض رقابة صارمة على الإنترنت، والتجسس على المواطنين تحت ذرائع متعددة أبرزها الأمن القومي ومكافحة الشائعات وحماية النظام العام.

وتشير تقارير حقوقية صادرة عن منظمات دولية، أبرزها "منظمة العفو الدولية"، إلى أن هذه الحكومات تحجب المواقع الإخبارية المستقلة ومنصات التواصل الاجتماعي، وتلاحق النشطاء والصحفيين بناءً على منشوراتهم الرقمية، وتُوجه لهم اتهامات تتعلق بنشر أخبار كاذبة أو تهديد الأمن القومي.

يأتي ذلك إلى جانب أنها تستخدم برمجيات تجسس متقدمة لاختراق هواتف النشطاء، والتوسع في المراقبة الجماعية للبيانات الشخصية، دون رقابة قضائية مستقلة، بحجة الحفاظ على الأمن القومي.

وتنتهك هذه الدول الحق في الخصوصية الرقمية بشكل منهجي، حيث تراقب المحادثات، وتلاحق المستخدمين، وتجبر المواطن أحيانًا على تقديم بياناته دون ضمانات لحمايتها، ففي الصين، على سبيل المثال، تُستخدم كاميرات مزودة بتقنية التعرف على الوجه في كل مكان تقريبًا، بينما في إيران وروسيا، تُغلق خدمات الإنترنت خلال الاحتجاجات لتقييد التواصل بين المواطنين.

ويرى خبراء أن مواجهة هذه الانتهاكات تتطلب تشريعات تضمن الحق في الخصوصية وحرية التعبير، ورقابة قضائية مستقلة على أدوات المراقبة، وشفافية في استخدام البيانات ومحاسبة الجهات المنتهكة، كما يدعون أيضا إلى قيام الصحافة بدورها في كشف هذه الممارسات، وتسليط الضوء على القصص الفردية للمتضررين، لبناء رأي عام واعٍ ومدافع عن الحقوق الرقمية.

الصين والمراقبة الرقمية

بعد ثلاث عقود من مذبحة تيانانمن (4 يونيو 1989)، تواصل السلطات الصينية محو أي ذكر لهذا الحدث بحجب المحتوى وملاحقة من يذكره داخل وخارج البلاد، خصوصًا من الأقليات الإيغورية والتبتية، حيث تخضع “أمهات تيانانمن” وناشطات ديمقراطيات لمراقبة مشددة.

وصدرت تحذيرات من وكالات استخبارات غربية حول انتشار برمجيات تجسس مثل "BADBAZAAR" و"MOONSHINE"، تستهدف معارضين للحكومة الصينية؛ تقوم هذه البرمجيات بجمع البيانات، وتفعيل الكاميرات والميكروفونات، وتعقب المواقع.

وتطور الدولة شبكة مراقبة شاملة من خلال كاميرات التعرف على الوجه والذكاء الاصطناعي، كما في مدن مثل تشونغتشينغ، بجانب السيطرة على التطبيقات الرقمية عبر قوانين تلزم مقدمي الخدمة برعاية "القيم الاشتراكية الجوهرية" وغيرها.

إيران وقمع المعارضين

يستخدم النظام الإيراني طائرات دون طيار وتطبيقات مثل "Nazer" لرفع تقارير عن خروقات الحجاب، بمشاركة المواطنين في إرسال بيانات عن نساء مخالفات، يسفر بعضها عن اعتقالهن أو مقتلهن أحيانا.

ويُطبق حظر شامل أو جزئي للإنترنت في فترات الاحتجاجات، كما حدث في نوفمبر 2019، حين حاولت المعارضة السيطرة على حركة أسعار البنزين، ما أدى إلى قطع الخدمة بشكل شبه كامل لأكثر من أسبوع، إلى أن وصلت نسبة الدخول إلى 5 بالمئة فقط من حالة التشغيل العادية.

وطورت السلطات الإيرانية منظومة "الوطنية للإنترنت " (NIN)، لتشمل رقابة على شبكات  VPN، وقيوداً على تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وإنستغرام 

وفي محاولة للسيطرة الرقمية استخدم الحرس الثوري الإيراني برمجيات الخداع الرقمي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهي تستهدف حسابات المعارضين، خاصة النساء، لإنشاء شبكة من الأخبار المزيفة وضغط معلوماتي ممنهج.

روسيا وتكميم الأصوات

وسلطت السلطات الروسية الضوء على قدرتها القمعية عبر قانون "الإنترنت السيادي" لعام 2019، إذ استهدفت توجيه الإنترنت داخل البلاد عبر الجدار الوطني للإنترنت  (RuNet)، وتخزين البيانات محليًا، الأمر الذي يتيح إغلاق الفضاء الرقمي عمومًا أو محليًا.

وفي عام 2022، ارتفعت عمليات الرقابة بشكل ملحوظ، مع حجب أكثر من 610 آلاف موقع ورفع قضايا ضد 779 فردًا على خلفية منشورات على الإنترنت، تتعلق غالبًا بمناهضة هجوم أو موقف الدولة حول أوكرانيا.

وتستخدم روسيا تقنيات متقدمة للتعرف على الوجه ضمن شبكة “SORM”، و"Deep Packet Inspection"، كما هي الحال في سيارات النقل العامة، للمراقبة الفعلية للنشطاء في موسكو وما حولها، كما تعمل الهيئات مثل "روسكومنادزور" على مراقبة المحتوى وحجب المعلومات المعارضة تلقائيًا، خصوصًا خلال الأزمات مثل الحرب على أوكرانيا.

استخدام في غير محله

في هذا الإطار، قال أكاديمي وكاتب إيراني بارز، فضل عدم ذكر اسمه خشية الملاحقات الأمنية، إن "ما نشهده اليوم دول مثل إيران والصين وروسيا هو تحول خطير في وظيفة التكنولوجيا، حيث لم تعد تستخدم فقط لتحسين الحياة أو تطوير البنية التحتية، بل أصبحت وسيلة منهجية لخنق الحريات ومراقبة الأفراد، وهذه الأنظمة لا تُخفي نواياها، بل تشرع التجسس باسم حماية السيادة الوطنية".

وأوضح في تصريح لـ"جسور بوست"، عبر تقنية "واتساب"، أنه "في إيرانحيث تستخدم السلطات الطائرات المسيرة لملاحقة النساء بدعوى مخالفتهن قانون الحجاب وغيرها، وكذلك الأمر في الصين التي تستخدم تقنيات التعرف على الوجه مدعومة بذكاء اصطناعي لا لتراقب فقط منتهكي القانون، بل أيضًا من ينتقدون السياسات العامة أو يشاركون محتوى غير مرغوب فيه".

وأضاف: "روسيا تسير بخطى ثابتة نحو فصل الإنترنت الداخلي عن الشبكة العالمية، وهذا النوع من العزلة الرقمية يمنح الدولة قدرة مطلقة على توجيه المعلومات، وقطع التواصل بين النشطاء والجمهور، وبالتالي لا نتحدث هنا عن حماية الأمن الداخلي، بل عن خنق النقاش العام وتشويه الحقائق".

ومضى قائلا: "المقلق أن هناك تطبيعًا تدريجيًا مع هذه الانتهاكات الرقمية، حيث أصبح الجمهور في بعض هذه الدول معتادًا على فقدان الخصوصية مقابل خطاب عام يروج للخطر الخارجي أو تدبير المؤامرات، حيث بات أكبر تهديد للفرد اليوم هو الهاتف المحمول الذي يستخدمه".

واختتم حديثه، موضحا أن "التحدي اليوم لا يتمثل فقط في فضح هذه الانتهاكات، بل في بناء أدوات مضادة من تقنيات التشفير، والدعم القانوني، والوعي المجتمعي، ومن ثم يصبح الصمت خطراً، لأن الرقابة لا تتوقف عند الحدود السياسية فحسب".

سلاح ذو حدين

من جانبه، أوضح عمرو صبحي، خبير الأمن السيبراني والتحول الرقمي، أن السنوات الأخيرة شهدت تطورًا كبيرًا في تقنيات المراقبة الرقمية، حيث تحولت العديد من الأدوات التكنولوجية التي صممت لتحسين حياة المستخدمين إلى وسائل لجمع البيانات وتتبع الأنشطة ومعرفة الكثير عن العقول البشرية كي يتم استخدامها أو قمعها .

وقال صبحي، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن هناك عدة آليات تقنية تستخدمها بعض الأنظمة السياسية لمراقبة الأفراد، أبرزها تعقب البيانات وتحليلها (Metadata Analysis) وتجميع البيانات عن طريق سجل المكالمات والرسائل وتحديد المواقع بGPS، وسجل تصفح مواقع الإنترنت وعمليات البحث، وتحليل منصات التواصل الاجتماعي للأشخاص.

وأضاف: "من النواحي التقنية يتم تحليل جميع البيانات بأنظمة حديثة، وقد ساعد أيضاً الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات بجودة أعلى ومخرج في وقت قليل جدا، من خلال أنظمة التعرف على الوجوه في الكاميرات الذكية، وتحليل البصمة الصوتية في بعض التطبيقات، ومسح بصمة العين أو بصمة الأصابع في أنظمة التحقق من الهوية".

وبشأن اختراق بعض التطبيقات لخصوصية الأفراد، أكد عمرو صبحي أن بعض التطبيقات تطلب صلاحيات زائدة عن الحاجة، مثل الوصول إلى الميكروفون أو الكاميرا، وقائمة الاتصالات والرسائل، وبيانات الموقع الدقيقة (GPS)، إضافة إلى التطبيقات التجارية وتتبع المستخدمين، والإعلانات المخصصة بناءً على سجل التصفح، وبيع البيانات لجهات خارجية عبر شركات تحليل البيانات.

واختتم صبحي حديثه قائلا، "التكنولوجيا سلاح ذو حدين، إذ توفر فوائد كبيرة، لكن إساءة استخدامها قد يعرض خصوصية الأفراد للخطر، ويمكن للمستخدمين حماية أنفسهم عبر فهم آليات المراقبة الرقمية واتباع أفضل الممارسات الأمنية".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية